أرسلت (ش.ك) الى افتح قلبك تقول:
انا زوجه منذ 8 سنوات تقريبا, وأم لطفلين و الحمد لله, حالتي الماديه و الاجتماعيه مرتفعه, وليس لدي أي منغصات سوى شئ واحد, يرهقني من كثرة التفكير حوله, وهو عملي, فأنا أعمل بشركه كبيره و مرتبي محترم جدا, احب عملي و ناجحه فيه, واشعر بحب زمايلي في العمل, وبأن لي مكانتي في المكان.
منذ بداية زواجي و العمل خط احمر, اتفقت مع زوجي ألا يحاول منعي منه, خاصة واني كنت أعمل من قبل زواجي بفتره, لم يكن لدي مشكله في البدايه, ولا بعد اول طفل, لكن بعد ان انجبت الطفل الثاني لم اجد بدا من اخذ اجازة (رعاية الطفل) لمدة 3 سنوات, والحمد لله كانت أجازه مفيده فعلا, استطعت فيها ان أراعي اطفالي و ان اعتني بزوجي, وأن أهتم بكل شئون بيتي على الوجه الذي أحبه و ارضاه, الآن اصبح احد اطفالي في المدرسه, و الآخر في الحضانه, و قررت العوده الى العمل, كنت سعيده جدا بذلك, لكني اصبحت مرهقه جدا ايضا, فعملي يوميا من 7 صباحا الى 4 عصرا, ماعدا الجمعه و السبت, وهما اليومان اللذان اقوم فيهما بالتنظيف و الطهي و كل شئ يخص البيت, اشعر اني مقصره في حق اولادي و زوجي معنويا على الأقل, و في حق بيتي و نظافته و ترتيبه بشكل ملموس و واضح, وهذا مالايرضيني, فأنا احب ان اقوم بكل شئ كما يجب.
أصبحت في دوامه, كل شئ أقوم به بسرعه و استعجال, لا وقت و لا بال لدي لأي شئ, يومي أصبح مشحون بالمهمات التي لا تنتهي, والتي ستزيد حتما بعد أن يكبر طفلاي و يصبح هناك عبء المذاكره ايضا.
افكر مرارا و تكرارا في ان اترك العمل, لكني سأتركه الى الأبد هذه المره, فلن يسمح لي بأخذ أجازات طويله مجددا, خاصة وان الأجازه الماضيه اثرت على سنين خبرتي و على ترقياتي, لكن القرار صعب جدا, فليس من السهل التضحيه بعمل في مثل هذه الظروف, خاصة و ان كان المرتب مجزي حقا.
مديرتي و زميلاتي كلهن يشجعونني على الاستمرار في العمل, و يقولون من اين لك بعمل آخر؟, و كيف ستكون حياتك بين أربعة جدران تطبخين و تنظفين طوال الوقت, وماذا ستفعلين عندما يكبر أولادك ويصبحون غير محتاجين اليكي و تجدي نفسك كبرتي بلا أي تقدم او انجاز؟.
قد تبدو مشكلتي سهله للآخرين, لكنها أبدا ليست كذلك بالنسبة لي, فأنا افكر فيها كل ساعه و كل يوم لأني أعاني ارهاقا كبيرا لا تفهمه الا من هي مثلي, بالاضافه الى تأنيب ضمير كبير جدا بخصوص زوجي و أولادي و بيتي, ماذا افعل يا د. هبه؟.
والى (ش) اقول:
مشكلتك ليست سهله ولا بسيطه ابدا, ولن ابالغ ان قلت انها مشكلة (حواء) الأزليه في عصرنا الحديث, فانت تصفين بالضبط ما تعانيه اغلب النساء العاملات في مصر و ربما في العالم كله, لهذا دعيني افكر معك بصوت مسموع في هذه المشكله.
لماذا تتمسك المرأه بعملها؟:
1) الدخل الثابت, الذي يغنيها عن الطلب المستمر من زوجها, والذي يحررها من حرج تبرير مصروفاتها باستمرار, والذي يوفر لها فرصة ادخال بعض الرفاهيه و الكماليات في حياتها و حياة اسرتها و بيتها, وفي احيان آخرى يكون دخلها جزء اساسي من دخل البيت , والذي لن تستقيم من دونه الحياه.
2) التواصل الاجتماعي مع الناس, فأغلب ربات البيوت يعانين الفراغ الاجتماعي, خاصة في ظل انشغال الزوج الدائم, و انهماك كل الأصحاب و الأقارب كل في أمره.
3) تحقيق الذات, و وجود شئ يثبت للمرأه كفائتها واهميتها و مهارتها, مما يجعل لها حافز و دافع مستمر للتطور و التقدم و الانتاج, بل و دافع للحياه نفسها.
كل هذا رائع, وفعلا تلك مميزات لا يمكن اغفالها او الاستغناء عنها, لكن تعالي نفكر فيما تفقده المرأه اذا طغى العمل على حياتها:
الارهاق الجسدي المستمر, والذي حتما سينعكس على كل شئ, فأنت نفسك تقولين انك اصبحت لا تتقنين شيئا, و بالرغم من ان هذا يضايقك الا انه لا حيلة لك تجاهه, أي بمعنى أنه لا يمكن لك ان تفعلي اكثر.
ضيق الوقت, وهذا ايضا عبرتي عنه عندما قلني انك في دوامه, فانت فعلا في عمل مستمر و عليكي تحقيق متطلبات متعدده على مدار اليوم, ولكن اليوم لا يكفي.
الأخطر من كل هذا هو فقدان (الهدوء النفسي) او كما يقال بالعاميه ( البال الرايق) لفعل أي شئ جميل , سواء لنفسك او لزوجك او لأولادك, فمن اين سيأتي (روقان البال) اذا كان اليوم لا يكفي التفكيرفي و انجاز الأمور الأساسيه؟.
كل ذلك (على المدى الطويل) من الممكن جدا ان يباعد بينك و بين زوجك و اولادك, لأننا نترابط كعائلات عندما نتواصل مع بعضنا, ونستمتع بحياتنا معا, و نجد اوقاتا و مواقف حلوه تجمعنا, و نفرح عندما نتذكرها.
وقد نتصور احيانا ان ( الأمور هاتمشي ) بأي شكل, وان (كله هايعدي) و سيكبر الأولاد بأي حال, لكنه و في الحقيقه وبكل امانه لا يستوي الذين يعملون و الذين لا يعملون, فالجهد و الوقت المبذول في الربط بين افراد الأسره, و بين الأباء و الأبناء لن يأتي محض الصدفه او بشكل تلقائي.
واذا نظرنا بحياديه وامانه دون تحيز الى جنس نحو الآخر, الى مهمة المرأه أو الزوجه الأساسيه التي خلقت من اجلها, سنجدها ودون جدال_ وان كان هذا سيغضب البعض_ هي اعمار بيتها و الاهتمام بمن تعول من نواحي كثيره, لأنها ان لم تفعل من سيفعل؟, وان لم تحنو و تهتم و تبذل الوقت و الجهد حتى وان كان على عكس هواها فمن سيهتم؟, وان لم يجد الزوج الراحه و المتعه في بيته فأين سيجده؟, وان لم يأمن الأطفال في حضن امهم فأين سيأمنون؟.
خلاصة الأمر أنا لست مع او ضد عمل الزوجه على طول الخط, ففعلا هناك حالات تحتم فيها الظروف على المرأه العمل لاعالة نفسها و أولادها أو للمساهمه في دخل البيت, وقد يكون ذلك رغما عن المرأه نفسها او ضد رغبتها في بعض الأحيان, وهناك حالات آخرى لايكون فيها أي بد من بقاء الزوجه بلاعمل في البيت تعاني الوحده و الفراغ, لكن كل ما اقوله هو اننا لابد ان نرتب الأولويات بحسب اهميتها الحقيقيه, حتى وان كان هذا على عكس مانحب.
لا استطيع ان اقول لكي يا (ش) أو لغيرك لا تعملي, ولا تتمتعي بدخلك الخاص و بتحقيق ذاتك وباثبات نجاحك, لكن انت ومن هي في مثل ظروفك في وضع ضاغط, لن تهنأ الحياه في ظل عمل مرهق كهذا, لكنك من الممكن ان ترضي بحل وسط, كأن تعملي في عمل آخر اقل جهدا و وقتا, او ان تستمري في عملك بنظام (نصف الوقت) ان امكنك هذا, أو أن تتوقفي عن العمل تماما (بشكل مؤقت) حتى يقل احتياج الطفال اليكي , و تجدي لديكي الامكانيه في تنظيم الأمور بشكل مريح لك و لهمفيما بعد في عمل آخر.
لكني ابدا لا انصحك بالاستمرار في هذه الدوامه, التي ربما تدفعين ثمنها غاليا في المستقبل, اذا اهتم زوجك بغيرك , أو اذا ابتعد اولادك عنك, أو حتى اذا سقطتي فريسة للمرض نتيجه للضغط و الارهاق المستمرين, و تذكري دائما اننا سنبقى في صراع الاختيار طالما نحن على قيد الحياه, ولكننا يجب ان نختار الأهم فالمهم, واعتقد انك ابدا لن تسعدي بمنصب او مرتب او حتى ترقيه اذا كان حال بيتك لا يرضي الله , فكفى اثما بالمرء ان يضيع من يعول.