November 1, 2024

choose your image

الحنين الى الماضي.


أرسل (….) الى افتح قلبك يقول:
أنا رجل في اواخر الخمسينات من عمري, أب لشابين أحدهما في الجامعه و الآخر في المرحله الثانويه, عملت كمهندس لفتره طويله في الخليج, وعدت الى مصر مؤخرا.

قد تبدو مشكلتي بسيطه بالنسبه لكثير من المشاكل التي تعرض في بابكم, لكن برجاء الاهتمام بها لأنها تؤثر على حياتي جدا, وليس لدي من اسـأله و أستشيره بعد هذا السن في مثل هذه الأمور.


بدأت القصه  منذ سنين طويله ,عندما كنت شابا في الثانويه العامه, بدأت أولى سنين شبابي في بيتنا القديم , حيث كانت تسكن جاره لنا في مثل سني , كانت فتاه رقيقه و جميله, تفتح احساسي بالحب على يديها, كنت فقط انظر اليها من بعيد, او استرق النظر الى نافذتها من حين لآخر,دون اي كلام او سلام, فقد كان هذا هو كل المتاح لنا في مثل هذا الزمن, الذي اسميه الزمن الجميل بكل معنى الكلمه, حاولت ان الفت انتباهها الي كثيرا بشتى الطرق الممكنه لمراهق في سني, و أخيرا افلحت احدى هذه المحاولات, و بدأت تشعر أني اهتم بها, وأتعمد أن أراها و أن تلتقي عينانا.


ويالفرحتي عندما بدأت هي الآخرى تنظر الى نافذتي, وتبادلني الابتسامات كلما سنحت لها الفرصه, كنت سعيدا بها أيما سعاده, كان مجرد أن تبتسم لي كان يملأني ذلك نشوة ,ويزيدني حماس على أن أتقدم لها فورما تتاح الفرصه .


وحصلنا على شهادة الثانويه العامه معا, أنا حصلت على مجموع كبير أهلني لدخول كلية الهندسه, وهي لم توفق في المجموع فالتحقت بكليه نظريه, لم يؤثر هذا على احساسي أو مشاعري تجاهها اطلاقا, ولكنه من الواضح أنه كان عامل مؤثر بالنسبه لها, فما ان ظهرت النتيجه حتى ابتعدت عني تماما, أصبحت تتعمد أن تختفي من أمامي, وألا تنظر الي مطلقا, وحتى نافذتها التي كنت أراها منها من الحين الى الحين أصبحت مغلقه طوال الوقت, لماذا كل هذا؟, لا أعرف!!!.


ولأنه لم يكن هناك أي وسيله ممكنه للتواصل بيننا حينها, ظللت على حيرتي هذه لمدة سنتين كاملتين, أفكر فيها ولا تغيب عن بالي, دون أن أراها أو أن تنعم علي ولو ببسمه صغيره كما كان يحدث في الماضي, ولكني لم أفقد الأمل, فقد كنت لا زلت على اصراري بأن أتقدم اليها وأخطبها بشكل رسمي, لكن بعد أن أنهي نصف دراستي الجامعيه على الأقل.


لكن القدر لم يمهلني الوقت, فقد علمت بخبر خطبتها في عامنا الجامعي الثالث, وأصبحت لشخص غيري, وانتهى الأمر….لكني لم أنسها يوما, كنت أتذكرها دوما في أشد و أحلك الظروف, كان شعوري بابتسامتها لا يفارق قلبي أبدا, ألجأ اليه دائما كلما ضاقت بي الدنيا, فقد كانت مجرد ذكراها هي واحة الراحه و المتعه بالنسبة لي.


ثم مرت السنين, تخرجت, و تزوجت باحدى قريباتي, و أنجبنا الولدين, ثم سافرت للعمل في الخليج, سنه تجر الآخرى, حتى أفقت وأنا في بداية كهولتي, ربيت أبنائي, و بنيت لهم, و ادخرت لهم أيضا, وشعرت أنه آن الآوان أن أعود لأقضي ما بقي لي من عمر في بلدي, فقررنا العوده الى مصر .


ولن تصدقي يا دكتوره أنها كانت أول من رأيته عند عودتي , تخيلي!!!, فلقد رجعت من المطار الى بيتنا القديم مباشرة لأطمئن على والدتي, واذا بها أمامي, لم أصدق عيناي, ولم أستطع أن أمنع نفسي من أن أظل محملقا فيها لفتره, عرفتني فورا, ابتسمت برقه  ثم اختفت سريعا كعادتها, لم تتغير كثيرا, فلا زالت ابتسامتها هادئه و دافئه وتفرح قلبي.


قد تتهميني بالمراهقه المتأخره, أو بأني لا زلت طفلا ساذج, فحقا قد لا يتماشى احساسي هذا مع سني , لكني أقول الصدق, لازلت أحبها, ولا زلت أتمنى أن أراها, ولا زال خيال ابتسامتها ينعشني, ولكني بداخلي رغبه عارمه الآن في أن أكلمها, أحادثها, أسمعها, أعرفها ما بداخلي لها من سنوات, و أفهم منها لماذا اختارت أن تتركني و تبتعد عني قبل سنين, كلما ذهبت الى بيتنا القديم تدفعني هذه الرغبه دفعا لأن أنفذها, ولكني أعود الى صمتي مرة آخرى, وأفكر في ان ذلك من الممكن ألا يكون لائقا, ولكني أفكر فيها دوما, ورغبتي في الكلام معها تزيد يوما بعد يوم, في رأيك أنتي هل أفعل؟, وكيف أفعل حتى لا أحرجها أو اضايقها؟.


وأخيرا أرجو منك أن تهتمي برسالتي و تعيريها انتباهك, فردك مهم جدا و حيوي جدا بالنسبة لي, وشكرا.


واليك اقول:
ياسيدي أنت فعلا رجل من الزمن الجميل, من الواضح ان من عاشوا في مثل هذا الزمن لا تتغير عذوبة و رقة و (عذرية) مشاعرهم مهما كبروا ومهما مر بهم الزمان, لا ادري لماذا وانا اقرأ رسالتك شعرت بأني اشاهد فيلما رومانسيا جميلا لفاتن حمامه و عمر الشريف, حينما كان التعبير عن الاهتمام لا يتجاوز النظره, و حينما كانت اقصى أمنيات المحب من حبيبه هي البسمه….اين ذهب هذا الزمان؟!!.


ومن الواضح ايضا ان شخصية حضرتك رومانسيه و عاطفيه الى حد كبير, وانك لم تحصل في حياتك على ما يشبعك حقا من مشاعر و احاسيس, لدرجة انك وكما قلت لا تشعر بواحة الراحه الا بالذكريات, واي ذكريات؟, انها ذكريات لحب صامت, مراهق, ومنقوص أيضا, اي انك تستمد كل مشاعر الفرحه و البهجه في حياتك الواقعيه من الخيال….نعم سيدي كل ماتشعر به هذا خيال, فصورة محبوبتك هي صورتها في خيالك, وشخصيتها هي الشخصيه التي في خيالك, و تعاملاتها, وسحرها, وجمال عشرتها, كل هذا ما تصورته انت و صنعته أنت بخيالك, والذي قد يكون بعيد كل البعد عنها وعن طبيعتها على ارض الواقع, لا اقصد انها حتما ستكون اسوأ, و لكنها بكل تأكيد ستكون مختلفه, لأنك لم تعرفها, و لم تحبها هي فعلا, انت احببت (فلانه) التي نسجتها بأفكارك و خيالاتك و احلامك, وهذا شأن الحب الغير ناضج, أو الحب (المراهق), الذي يتصور فيه الانسان أن حبيبه كامل الأوصاف, خالي من العيوب, ملاك منزل, ويظل يحبه و يكاد يقدسه حتى يصطدم خياله بالحقيقه عند بداية التعاملات الحقيقيه بينهما.


في الحالات العاديه غالبا ما ينتهي هذا الحب بانتهاء المرحله, وينضج الانسان ليكتشف انه كان ساذجا و مثاليا اكثر من اللازم , ثم يبدأ في التعرف على الناس بشكل حقيقي و واقعي, ليقابل من يحبه حقا و يتقبله بحلوه و مره, ليس عن جهل أو تغافل, ولكن عن ادراك و وعي بأنه انسان يجب أن يكون له ما له , و عليه ما عليه, لكن ما حدث في حالتك هو انك لم تقابل هذا الحب الناضج في حياتك, و لم تلتقي بمن يشغل الفراغ العاطفي الذي كنت تعانيه و تتوق الى من يملأه, لهذا أنا متاكده من أنك كنت ستنسى هذه الجاره, او كنت ستحتفظ بها كذكرى فقط, لو كنت حقا سعدت بزواجك و وجدت فيه الحب و الألفه و الدفء العاطفي.


جارتك هذه يا سيدي ليست الا  رمز في حياتك, رمز للحب وسعادته و جماله و اثارته,  ورمز للأيام الجميله التي كنت فيها شابا, متفتحا, مقبل على الحياه بصدر رحب, كلنا نتوق الى الأشياء التي تذكرنا بأيامنا الحلوه, اي شخص, اي مكان, اي موقف, حتى الأغاني و الروائح التي تذكرنا بالماضي نحبها, و نسعد و ننتشي اذا صادفناها, لأنها رمز, ذكرى, جزء من ماضينا, لكنها و في حقيقة الأمر ليست جزءا من واقعنا, و لن تكون, وحتى وان اصبحت فلن تعود بنفس رونقها و سحرها و بهائها كما كانت في الماضي, لكل شئ أوان ان فات انتهى أمره.


لهذا لا انصحك اطلاقا يا سيدي بأن تحاول الكلام معها, ماذا ستقول؟, وعن ماذا ستتكلم؟, و الأهم من كل ذلك ما الذي ستستفيده من الكلام؟, هل سيعيدك الى الوراء ليغير من موقفها تجاهك؟, هل سيعيد لك سعادتك المفقوده؟, هل سيغير من الأمر في شئ؟, أبدا, بل بالعكس قد يتسبب لك و لها في احراج أنت في غنى عنه, خاصة وأنت لا تعرف عواقب مثل هذا الكلام, أو وقعه عليها, أو رد فعلها.


ثم انك لم تذكر شيئا عن زوجتك, ترى كيف سيكون موقفها بعد تجدد هذه المشاعر القديمه في حياتك؟, و ماذا عن زوج جارتك هذه ايضا؟, أليس من حقه أن تفكر فيه وانت تخطط في الحديث الى زوجته, و التصريح لها بمشاعرك التي فات اوانها منذ عشرات السنين؟, كيف سيكون وقع كلامك لها هذا على أسرتيكم؟, ومن المستفيد من حالة الربكه و الفوضى التي ستنتاب حياتكما بعد هذا الكلام؟.


رجاء سيدي احتفظ بجارتك هذه كذكرى حلوه, كحنين للماضي, كرمز لبراءة و جمال المشاعر, لكن لا تخرجها من صندوق الذكريات, لقد عاشت طوال هذه السنين في خيالك, و يبدو انه لا مكان لها سوى هناك.


وانصحك أن تبحث عن شئ تفعله تفرغ فيه طاقتك العاطفيه و الانسانيه, فمن الواضح أنك عشت سنوات شبابك تعمل و تكدح فقط, واكتشفت انه فاتك الكثير وانه لايزال لديك الكثير من الرغبات التي تحتاج الى اشباع, فلماذا لا تبحث عن عمل خيري او مشروع انساني, او حتى عن قريب لك يحتاج المساعده, صدقني قد يبدو لك هذا بعيدا عما تحتاج, لكن مجرد احساسك بالعطاء و بمشاركة المشاعر الانسانيه سوف يغير من الوضع كثيرا.


Copyright © Dr. Heba Yassin. All Rights Reserved

0
Would love your thoughts, please comment.x
()
x