لا أعرف عدد الرسائل التي أرسلتها لي زوجات معذبات, وأمهات حائرات , بل و حتى بنات صغيرات قلقات على آبائهن, واللاتي يشكون فيها من نفس الشكوى على اختلاف أعمارهن و ظروفهن و بيئتهن , الا وهي وبكل خجل و أسف ادمان الرجل في حياتهن للأفلام و المواقع الاباحيه, فقد تجاوز الأمر حده عند الكثير من الناس, ولم يعد مجرد شئ عابر او متعه طارئه, بل أصبح عاده شبه يوميه, وجزء من الحياه, لدرجة أنه يؤثر و يطغى على الحياه الطبيعيه لبعض الأشخاص , و على علاقاتهم السويه بذويهم أحيانا كثيره.
وعندما كانت تسألني احداهن ماذا افعل حتى ابعد زوجي أو ابني أو حتى أبي عن هذه الرذيله, كنت افكر طويلا وكثيرا في حل فعال أو شئ مؤثر تفعله هذه السائله حتى تنجح, الا انه و احقاقا للحق الحل الجذري الوحيد لهذا الموضوع في يد الشخص نفسه, هو وحده من يستطيع اتخاذ القرار بانهاء هذا الأمر و مقاطعة هذه المواقع من عدمه, المشكله هنا هي كيف نقنعه بفعل هذا؟, كيف نزرع لديه الرغبه في أخذ هذه الخطوه؟….لهذا فكرت في كتابة هذا الموضوع, فاذا كنتي ممن ارسلوا الي يسألوني بخصوص هذه المشكله فرجاء لا تفعلي شيئا سوى أن تجعلي صاحب المشكله يقرأ هذا المقال…فقط , و الباقي عليه هو, والله المستعان….
لن ابدأ كلامي عن هذه المواقع بأنها حرام, أو انها ذنوب لاحصر لها , أو أنها مذمومه في كل الأديان , ولكني سأفكر معك لماذا هي هكذا اذا كانت ممتعه و تجلب السعاده و النشوه لمن يشاهدها؟, ألم تكن اباحتها و تحليلها أولى اذا كانت بهذا النفع و الأهميه بالنسبه للانسان؟, ماعيبها؟, وما مشكلتها؟, وما الضرر منها حتى تصبح ذنبا او شيئا محرما؟…
عندما ظهرت هذه المواقع للمره الأولى في الغرب ادعى صانعوها و مروجوها انها ستحدث (ثوره) في عالم المعرفه الجنسيه, وأنها ستساعد على التحرر من كل المخاوف و الاعتقادات القديمه,وأنها ستشبع الكثير من الشباب المحروم, و تفرج عنه و تحوله من الكبت و التعاسه الى الانفتاح و الاشباع و السعاده اللانهائيه, وأنها ستجعل من العلاقه الحميمه شيئا أسهل, وأكثر متعه, وأنها ستعلم كل زوجين كيف لهما أن يتناغما مع بعضهما البعض, وأن يصلا الى درجات من المتعه لم يكن لهما أن يعرفاها بدون مثل هذه المواقع, باختصار جعلوا منها الحل السحري لكل انسان غير سعيد في حياته الخاصه, سواء كان متزوجا أو لا, لكن ماذا حدث لاحقا؟….
في النقاط التاليه سوف أحاول ان أسرد لك بعض السلبيات التي اكتشفها علماء النفس لهذه العاده, والتي أقر بها الأجانب منهم قبل العرب, و الغير متدينين منهم قبل ذوي الدين, و التي أفنى الكثير منهم أعمارهم في دراسة أثارها على حياة الفرد عموما و على حياته الزوجيه او الحميمه بشكل خاص , والتي قد تخفى عليك انت كمتفرج أو كمستهلك لمثل هذه السلعه _ ألا وهي المواقع و الأفلام_ والتي قد لا نلتفت اليها الا بعد فوات الأوان, و بعد ان تكون فعلت هذه الأشياء بحياتك فعلتها…
1) يقول أحد علماء النفس انك عندما تتابع مثل هذه المواقع تصبح كمن يدخل الى فراشه أو الى علاقته الحميمه ومعه (سيرك) من الأفكار و المشاهد و الاعتقادات الزائفه ,فهي تصور لك أنه هناك دائما طرق و أساليب و(ابداعات) لم تجربها بعد, بل و لن تجربها يوما في حياتك, فتلهث وراءها و تصب جام سخطك على هذا الشئ (العادي) الذي تلقاه كل يوم في بيتك.
وتظل تتحسر و تتندم و تضيع جهدك و وقتهك هباء في محاولة تقليدها او تنفيذها على أرض الواقع, لأنه و ببساطه أغلب ما يعرض في هذه المواقع هي اشياء للعرض فقط و ليست للممارسه الحقيقيه و الطبيعيه , ولكنه ومع اعتياد وكثرة مشاهدة مثل هذه المواقف نصدق أنها عاديه و متاحه بل ومن التقصير و النقص ألا تكون في علاقتنا الخاصه, وهنا تبدأ أول مشكله, وهي المقارنه بين ما نراه وبين مانجده في الحقيقه, فنستقل بالواقع و نستهين به, بل و نكرهه ونبتعد أحيانا, و بهذا نكون قد ادخلنا اول مسمار في نعش علاقتنا الحميمه (الحقيقيه).
2) كثرة مشاهدة هذه الأشياء تجعلك في حالة مقارنه دائمه بين هؤلاء اللذين تراهم, و بين شريك حياتك الحقيقي من الناحيه الجسديه, مما يدفعك الى حاله دائمه من عدم الرضا عنه, بل و الاشمئزاز و النفور منه أحيانا.
ناسيا تماما ان هؤلاء الذين يرتزقون بأجسادهم و اجسادهن ليسوا اشخاصا طبيعيون, و انهم لا هم لهم الا تجميل و تحلية بضاعتهم, الشئ الذي لا يتم غالبا بشكل طبيعي, ولا يستغنى عن جراحات التجميل, و عمليات التكبير و التصغير, و الحقن و الشفط وغيرهم من الأساليب اللانهائيه لصنع كل ماهو صناعي و زائف و غير حقيقي و مثالي أكثر من اللازم.
وناسيا او (متناسيا) أيضا أنك أنت نفسك كشريك في العلاقه الحميمه لست بمثل هذه المواصفات المثاليه و الفائقه التي تراها, و التي تطالب شريك حياتك بأن يصبح عليها , وبالتالي فأنت نفسك لن تسلم من النقد او التقريع اذا وضعت نفسك في مقارنه مع هؤلاء.
3) من أكثر الأمور خطوره و أشدهم تأثيرا على علاقتك الحميمه و الزوجيه الحقيقيه هو أن مثل هذه المواقع تجعلك تعتقد دوما أنه هناك من هو أقدر على فهمك, واسعادك ,و امتاعك اكثر من شريكك الواقعي,ولكنه هناك, في مكان ما بعيدا عن زواجك و عن شريكك الحقيقي, فينصرف الانسان فورا _واعيا أو غير واعيا_ الى البحث عن هذا الآخر الذي سيصبح توأم روحه والذي سيعوضه عن ما افتقده, فيزداد بعدا عن شريك حياته, و تزداد الفجوه لتصبح هوه, و يصبح الهرب من العلاقه أسهل بكثير من محاولة تحسينها و اصلاحها, في حين أننا بذلك نفرط في المضمون و الممكن و الحلال و المتاح في مقابل البحث عن السراب.
4) مثل هذه المواقع تؤكد لك باستمرار ان العلاقه الحميمه يجب ان تكون كامله و مثاليه و فائقة المتعه في كل مره,وان ذلك سيحدث دون اي جهد أو تعب منك,بل و بمنتهى الترحيب و السعاده من الطرف الآخر, فهذا ماتراه دائما, و تلك هي الرساله التي تصلك طوال الوقت من مثل هذه المواقع الرخيصه, الا انه و في حقيقة الأمر لايمكن لأي علاقه حميمه أن تظل سهله و ممتعه و متوهجه طيلة الوقت و بدون اي جهد من الطرفين, مهما كان شكل هذين الطرفين ومهما كانا متحابان أو متناغمان.
5) ادمان مشاهدة هذه الأشياء تخلق ثقافة ( هل من مزيد؟) دائما, فيصبح الانسان في ترقب و بحث دائم عن شئ مختلف و متغير و لم يجربه من قبل و ربما لم يجربه أحد من قبله, و هذا ما يدفع البعض أحيانا الى الشذوذ سواء بمفهومه المعروف أو بمفهوم متخفي, فيصبح الشخص لا يرضى بالمعروف و المعتاد بل و الحلال أيضا, وهذا ما أصبحت تشكو منه كثير من الزوجات حاليا, بعدما اصبح أزواجهن يطالبهن بأشياء غريبه لم نعرف عنها شيئا من قبل , مما يجعلهن يتراجعن اما اشمئزازا أو استنكارا أو تخوفا من حرمانية هذه الأشياء.
كل هذا لا ينتج الا عن صنع عازلا ضخما بين الزوجين, وعن فصل كل منهما في جزيرته الخاصه حيث أفكاره و معتقداته و متطلباته المختلفه تماما عن الطرف الآخر, و ليس عن التفاهم و السعاده و الثقافه الخرافيه المزعومه.
أما بالنسبه لغير المتزوجين فان الأمر لا يقل سوءا, بل يزيد لأنه يزرع هذه الأفكار بداخلهم من قبل حتى أن يجربوا الحياه الطبيعيه من الأساس, فتصبح الفكره خاطئه من البدايه, و تصبح التوقعات وهميه من الأصل, و يصبح ارضاء هذه التوقعات شبه مستحيل في الزواج الحقيقي, فنكون كمن نحرم أنفسنا من التمتع بالفواكه و الثمار الطبيعيه التي خلقها الله, انتظارا و توقعا لآخرى (فضائيه) لم تهبط كوكبنا بعد.
وفي النهايه لا آرى حلا لمثل هذا الموقف سوى اخلاص النيه في التخلص من هذه الأشياء التي (تفتك) بأي حياه, فان كنت ممن يعانون من مثل هذا البلاء فقد آن الأوان أن تتوقف و تعيد حساباتك, فكر قليلا هل ما تحصل عليه من متعه يساوي حقا كل هذا؟, هل تجد فعلا أن الأمر يستحق ؟ , المتعه و السعاده و الارتواء أولا و اخيرا بيد الله, فلماذا لا نجرب ان نطلبهما منه بالشكل الذي يرضاه؟…